كتبت اليسا دوندورف -دولوث منسوتا

عندما وصلت جائحة فيروس كورنا (كوفيد-١٩) إلى مجتمعاتنا بداية هذا العام ، تغيرت حياتنا وخططنا اليومية على الفور وبشكل واسع. أنتجت الجانحة تحديًا صحيًا عالميًا له عواقب طويلة المدى على صحة العالم والحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية في كل البلدان.

سعياً لفهم الآليات الحيوية والسلوكية والنفسية المحيطة بضغوط هذا الوباء وتأثيراته على الصحة النفسية والإدمان، شكل البروفيسور مصطفى العبسي، أستاذ في قسم طب الأسرة والعلوم الحيويه والباحث الرئيسي لمختبرات الإجهاد والإدمان في كلية الطب بجامعة مينيسوتا، فريقًا علميا لتنفيذ بحث استقصائي عالمي بهدف تحديد ومتابعة التغييرات التكيفية التي مر بها الناس مع تصاعد الوباء في أنحاء مختلفة من العالم وخاصة تلك التي بدأ الفيروس ينتشر فيها بشكل واسع.

اوضح الدكتور العبسي: “لقد شكل الوباء تحديًا كبيرا لابد من مواجهته ويمكن ان نتعلم الكثير منه”. انتشار الوباء وبسرعه مخيفة وخاصة في امريكا يلقي الضوء على مدى سوء استعداد عالمنا لمواجهة مثل هذه الأزمات الصحية الخطيرة. إن تحليل كيفية تكيف الناس مع هذه التغيرات الكبيرة في حياتهم قد يساعدنا على التعلم من هذه الازمة من اجل لتطوير تدخلات علاجية فعاله يمكن أن تساعدنا في التأقلم بشكل أفضل مع هذه الازمة وفي التعامل مع هذا الوباء وازمات صحية مماثلة في المستقبل “.

في أواخر مارس، أطلق الفريق العلمي في جامعة منسوتا النسخة إالانجليزية من البحث الاستقصائي مستفيدا في ذلك من الموارد البشرية المتاحة للفريق ومن برامج الدعم المقدمة للدكتور العبسي من المعاهد الوطنية للصحة وجامعة منسوتا وتعاون خبراء ومشاركين اوروبيين. عمل اعضاء الفريق مع شركائهم في جميع أنحاء العالم لإجراء مسح اولي. في أوائل أبريل تم توسيع تغطية هذا البحث إلى بلدان اخرى متضررة من الوباء وذلك من خلال ترجمة أدوات البحث إلى ثماني لغات – الفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية والإسبانية والعربية والصينية والبلغارية.

أوضح الدكتور العبسي في حديثه معنا: “لقد قمنا بدمج مجموعة متنوعة من الأسئلة في البحث المتعلق بالصحة العقلية وتعاطي المخدرات والتوتر والعوامل الاجتماعية والاقتصادية وأساليب التكيف مع الوباء”. “كان التركيز على البدايات الأولى وما يصطحبها من مخاوف ومحاذير لم يخبرها العالم من قبل. وتم ذلك بإستشارة زملائنا في الجامعات والمراكز البحثية الاخرى”

اضاف الدكتور العبسي فيما يتعلق بالتعامل السليم مع الجانحة ان الخطوة الأولى تتمثل في التركيز على “تنقية الهواء” من المعلومات الخاطئة والشوشرة التي انتشرت في البداية عن الفيروس من خلال التركيز على الابحاث العلمية التي ممكن ان تساعد في علاج اعراض المرض واكتشاف لقاح يقيه.” في انتظار ذلك، يضيف الدكتور العبسي، لابد من اتباع استراتيجيات وقائية مفيدة يمكن ان تسهم في الحد من الوباء واثاره. تتمثل الخطوة الثانية في توجيه وتشجيع الناس إلى اتباع السبل التي تساعدهم على الوقاية والتكيف الابجابي والإستمرار في متابعة نمط صحي سليم من خلال إرشادات واضحة بسيطة حول كيفية تنظيم روتين يومي، وكيفية التعامل مع مشكلات النوم والانخراط في الأنشطة البدنية.”

نتائج جديدة

في التقرير الأولي للفريق (يمكن الحصول على التقرير هنا) أشارت النتائج إلى قدر كبير من الخوف والاحساس بالريبة حول ما يحدث وحول السلامة والامن والمستقبل، مما تسبب في زيادة التحديات النفسية. شعر المستجيبون عمومًا بالكثير من التوتر والاكتئاب والقلق والعصبية منذ أن بدأ فيروس كورونا الجديد في الانتشار. وكان ذلك اكثر قوة في الفئات التي تعاني من ظروف امنية ومعيشية صعبه قبل ظهور الوباء. كما كشف التقرير الأولي أن المشاركين عانوا من انخفاض في النوم واضطرابات سلوكيه اخرى. بالتركيز على البيانات المتعلقة بتعاطي المخدرات بما في ذلك الماريوانا والنيكوتين والكحول، أشار غالبية المستجيبين إلى أنهم استمروا في استخدام هذه المواد نفس المعدل أو زادوا من تعاطيهم منذ بداية انتشار فيروس كورونائ.

نظرة للمستقبل

يشير الدكتور العبسي إلى انه: “من المرجح أن عواقب هذا الوباء ستظل معنا طوال حياتنا وربما ستستمر مع الجيل القادم”. ” لكن نأمل ان المعلومات والنتائج التي نجمعها الان تقدم مسارات وبيانات مفيدة للتعامل مع مثل هذه الازمات الصحية في المستقبل والتقليل من اثارها طويل المدى؟”

الوباء وانتشاره الواسع ادى إلى تغييرات كبيرة في مجالات الحياة المختلفة؛ تغييرات جاءت على حساب الاستقرار اليومي وعلاقاتنا وظروف العمل والاقتصاد والتعليم والصحة وكل ألظروف الحياتية العامة. لقد غيرت الأزمة الصحية العالمية المحيطة بـفيروس كورونا بالفعل الطريقة التي سنعيش بها ونقدم الخدمات لسنوات قادمة. مع هذا المشهد المتغير، يقود فريق البروفيسور العبسي هذه الجهود في تحديد الاثار النفسية وتطوير وسائل علاجية فعاله. “إنها خطوة أولى حاسمة لتطوير وسائل معالجة الآثار النفسية والاجتماعية للوباء.” قال الدكتور العبسي: “المستقبل هنا بالفعل”. “كبشر ، يمكننا أن نتحلى بالمرونة ولدينا قدرات تكيفية أكثر بكثير مما نتصور ، ولا نستفيد من هذه القدرة إلا عندما نحتاج إليها ، لذا في نهاية المطاف ، سيعود هذا الوضع إلى طبيعته.”

حاليًا، يعمل البروفيسور العبسي وفريقه في منسوتا وجامعات أخرى على المرحلة التالية من بحثهم ، وتصميم دراسة طولية لتتبع المستجيبين بمرور الوقت مع تغير الوباء. يقول الدكتور العبسي: “إن سلسلة الأبحاث التي سنقوم بها ضمن هذا البرنامج سيكون لها تأثيرا طويل المدى وهذا يمنحنا إحساسا رائعا ودافعا للمواصلة. إنه يضيف مسؤولية علينا جميعًا في ميدان البحث العلمي.”

سيواصل الفريق إجراء البحوث في الولايات المتحدة ودول أخرى في أوروبا والشرق الأوسط. وسيظل المسح العالمي الأولي مفتوحًا.

مصدر الخبر هنا